لا يكف الإنسان عن الحلْم بحل المعادلات المستحيلة، ومحاولات الحصول على ما يبتغي دون دفع ثمن، أو على الأقل تخفيض هذا الثمن سواء كان مادياً أو معنوياً. يتجسد مثل هذا في نهم الإنسان إلى تناول الحلويات والأطعمة الشهية عالية السكريات، ورغبته في الوقت نفسه في ألا يعاني من زيادة الوزن الناجمة عن ذلك، وألا يضطر إلى تطبيق حمية غذائية مؤلمة تحرمه مما يشتهي من أطايب الطعام ولذائذ الموائد.
من هنا كان ظهور أنواع عديدة من سكر الدايت الذي يعطي طعم السكر من دون انعكاس على الوزن، فتحاً كبيراً للبشر، ولكن لم يخل هذا الاكتشاف من منغصات؛ فقد بدأت بعض نتائج البحث العلمي تلقي بظلال من الشك على سلامة وأمان الأسبارتام، أحد أقدم أنواع السكر الدايت، وأكثرها استخداماً حول العالم، لا سيما في المشروبات الغازية القليلة السعرات الحرارية، وظهرت أدلة وإن كانت محدودة على علاقة التناول الكثيف له بالإصابة ببعض أنواع السرطانات الخبيثة.
نتيجة لهذا، بدأ الاتجاه إلى إنتاج أنواع من سكر الدايت خالية من الأسبارتام، وخلال السنوات القليلة الماضية خطف سكر الستيفيا الأضواء، واستخدم بكثافة في إعداد المشروبات الغازية والشوكولاتة، وسوّق له أنه البديل الصحي الآمن.
عبر أسئلة وأجوبة سريعة، سنضع سكر الستيفيا على ميزان التكلفة والفائدة، ونتلمس من المصادر الموثوقة مدى استحقاقه لتلك السمعة.
ينتسب سكر الستيفيا لنبتة توجد في قارة أمريكا الجنوبية، وتحمل اسم ستيفيا ريبوديانا، التي يستخلص منها سكر الستيفيول ذو المذاق العالي السكرية؛ حيث يعتبر مستوى الطعم السكري له بين 200 و400 ضعف السكر الأبيض المعتاد إذا تساوت الكمية. والحد الأقصى من الاستهلاك المسموح به وفق الأدلة العلمية هو 12 ميلليجراماً من سكر الستيفيا العالي النقاء لكل كيلوجرام من الوزن (كل منتج في السوق له تركيز مختلف، وأحياناً تكون بعض المنتجات عبارة عن خليط من الستيفيا مع أنواع أخرى من السكر الدايت، ولذا فيجب مراجعة نشرة المنتج لمعرفة تركيز مادة الستيفيا لحساب الحد الأقصى من الاستهلاك بدقة).
تذكر بعض المصادر التاريخية أنه قبل قرون عديدة، كان بعض سكان أمريكا الجنوبية الأصليين يستخدمون نبتة الستيفيا لتحلية المشروبات المرة، وكانوا يسمونها بالعشب الحلو، والإسبان الذين احتلوا معظم تلك القارة قد عرفوه منهم في القرن الـ16 الميلادي، لكنها لم تبدأ بالاشتهار في أوروبا إلا منذ أواخر القرن الـ19، ومطلع القرن الـ20، وقد توسع استخدامه في إنجلترا أثناء الحرب العالمية الثانية (1939-1945)، نتيجة العجز في كميات السكر المعتاد، وشاع في اليابان منذ السبعينيات، وخلال العقود التالية أصبح اليابانيون من أكثر شعوب العالم استخداماً للستيفيا.
في السنوات الأخيرة، توسع ظهور الستيفيا في المنتجات والأسواق في البلاد العربية، ويتوافر حالياً في منتجات عديدة، مثل المشروبات الغازية، والشوكولاتة المنخفضة السعرات الحرارية، ويوجد منه عبوات تحتوي على دقيق (باودر) الستيفيا لكي يمكن استخدامه في تحضير المخبوزات والحلويات القليلة السعرات، ويوجد كذلك في أكياس صغيرة ليستخدم بديلاً من السكر الأبيض مع المشروبات الساخنة.
لكن يعيب المنتجات المحلاة بالستيفيا أن أسعارها أعلى بفارق ليس بالقليل من نظائرها المحلاة بالسكر المعتاد أو بسكر الأسبارتام الشائع الاستخدام. فمثلاً لحظة كتابة هذه السطور يبلغ متوسط سعر لتر المشروبات الغازية المحلاة بالسكر أو الأسبارتام بين 20 و25 جنيهاً مصرياً (حوالي نصف دولار أمريكي)، بينما لتر المحلاة بالستيفيا بين 38 و45 جنيهاً (قرابة دولار أمريكي واحد). ونتيجة هذا الارتفاع النسبي في السعر، فإن عديداً من منتجات الستيفيا في السوق لا تحتوي على الستيفيا حصرياً، إنما تخلطه مع أنواع أخرى من السكر الدايت الأقل سعراً.
الفائدة الكبرى بالطبع لسكر الستيفيا هي الفائدة العامة لكل أنواع السكر الدايت، وهي استبدال السكر الأبيض لتجنب أضراره مثل زيادة الوزن، وارتفاع كولسترول الدم الضار، وارتفاع فرص الإصابة بمرض السكر... إلخ. وبالتالي فهو يوفر للمرضى الممنوعين طبياً من تناول الأطعمة السكرية والحلويات مثل مرضى السكري، فرصة جيدة لتجنب حرمان أنفسهم مما يشتهونه من تلك الأغذية، دون التسبب في مضاعفات صحية، وهذا ينعكس إيجاباً على صحتهم النفسية والجسدية على حدٍ سواء لا سيما لدى الأطفال المصابين بالأمراض المزمنة.
يمتاز الستيفيا عن أنواعٍ أخرى من السكر الدايت بأن العشرات من الأدلة البحثية الطبية أثبتت أنه أكثر أماناً للمرضى المزمنين لا سيما مرضى السكر كما أشرنا في الفقرة السابقة، ومرضى ارتفاع ضغط الدم (حيث يعمل الستيفيا باسطاً للأوعية الدموية ويمكن أن يساعد في تقليل ضغط الدم)، ولم تُثَر حوله الشكوك كما حدث مع الأسبارتام في مسألة الإصابة بالسرطانات الخبيثة، بل هناك بعض الأدلة العلمية عن أن له دوراً وقائياً في تجنب الإصابة ببعض أنواع السرطانات والأمراض المزمنة مثل السكر والضغط، وفي تقوية مناعة الجسم بوجه عام.
يمكن تناول الستيفيا بكميات معتدلة من النساء الحوامل بشكلٍ آمن لا يسبب أي أضرار لصحة الأم والجنين، وقد يساعد الستيفيا في تقليل معدلات إصابة الأطفال الصغار بالسمنة المفرطة، بإشباع حاجتهم لتناول الحلويات والسكريات بشكل منخفض السعرات الحرارية.
أبرز الآثار الجانبية لسكر الستيفيا تتعلق بالجهاز الهضمي؛ فقد شكا بعض المستهلكين أنه يسبب لهم أحياناً بعض الانتفاخات وتقلصات البطن والشعور بالغثيان، ويعزو الباحثون هذا إلى حساسية أجسام هؤلاء المستهلكين تجاه بعض المواد التي تضاف أثناء تحضير منتجات الستيفيا. وأيضاً يشكو بعض المستهلكين من مرارة طعم الستيفيا، لا سيما عندما تضاف إلى المشروبات الغازية.
بالنسبة لصحة الكليتيْن، فالستيفيا يُسبّب زيادة طفيفة في إدرار البول، وهناك تضارب في نتائج البحث العلمي حول أضراره على الكليتين، فقد أشارت إحدى الدراسات إلى أنه قد يؤثر سلباً على صحة الكلى مع الاستهلاك الطويل المدى لها، لكن أظهرت دراسات أحدث أن الستيفيا له بعض التأثيرات الإيجابية على صحة الكلى على المدى الطويل، وأن تناوله آمن لمرضى القصور الكلوي المزمن. ويجب على من يعانون انخفاض ضغط الدم تجنب الإكثار من تناول المنتجات المحلاة بالستيفيا، فقد يسبب هذا انخفاضاً أكبر في ضغط الدم نتيجة إدراره للبول، وتمدد الأوعية الدموية.
كذلك على رغم خلو سكر الستيفيا نفسه من السعرات الحرارية، فإن بعض المنتجات التي تحتويه عالية السعرات الحرارية من مصادر أخرى، مثال ذلك الشوكولاتة المحلاة بالستيفيا؛ ففيها سعرات حرارية من الدهون بالأساس والبروتينات، وبالتالي يجب وضع هذا في حسبان من يجتهدون لإنقاص أوزانهم، ولدينا بالفعل عدة دراسات علمية حذرت من أن تناول المشروبات المحلاة بالستيفيا وغيرها من أنواع سكر الدايت قد سببت في عديد من الناس زيادة الوزن، نتيجة تخليهم عن الاعتدال في تناول الأطعمة الأخرى.
هل نتناول المشروبات والأطعمة المحتوية على الستيفيا أم لا؟
الإجابة بالقطع هي نعم، فكما أشرنا في السطور الماضية، لا توجد موانع طبية ثابتة بالأدلة القوية تحول دون استخدام معظم الناس للستيفيا، لكننا نوصي على سبيل الاحتياط بأن يكون هذا بكميات معتدلة، والاقتصار على منتجات لشركات موثوقة تحضر سكر الستيفيا بالشكل المطلوب وتنقيه جيداً، فهيئة الغذاء والدواء الأمريكية تشترط أن يكون سكر الستيفيا «Steviol Glycosides» بالغ النقاء، ليكون صالحاً للاستهلاك الآدمي.